فصل: تفسير الآية رقم (1):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (14):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)}
{يَا أَيُّهَا الذين ءَامَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ الله} أي نصرة دينه سبحانه وعونة رسوله عليه الصلاة والسلام، وقرأ الأعرج. وعيسى. وأبو عمرو. والحرميان أنصارًا لله بالتنوين وهو للتبعيض فالمعنى كونوا بعض أنصاره عز وجل.
وقرأ ابن مسعود على ما في الكشف كونوا أنتم أنصار الله، وفي موضح الأهوازي. والكواشي أنتم دون {كونوا} {كَمَا قَالَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ للحواريان مَنْ أنصارى إلَى الله} أي من جندي متوجهًا إلى نصرة الله تعالى ليطابق قوله سبحانه: {قَالَ الْحَوَاريُّونَ نَحْن أَنْصَارُ الله} وقيل: {إلى} عنى مع و{نحن أنصار الله} بتقدير نحن أنصار نبي الله فيحصل التطابق، والأول أولى، والإضافة في {أنصاري} إضافة أحد المتشاركين إلى الآخر لأنهما لما اشتركا في نصرة الله عز وجل كان بينهما ملابسة تصحح إضافة أحدهما للآخر والإضافة في {أنصار الله} إضافة الفاعل إلى المفعول والتشبيه باعتبار المعنى إذ المراد قل لهم ذلك كما قال عيسى، وقال أبو حيان: هو على معنى قلنا لكم كما قال عيسى.
وقال الزمخشري: هو على معنى كونوا أنصار الله كما كان الحواريون أنصار عيسى حين قال لهم: {من أنصاري إلى الله} وخلاصته على ما قيل: إن ما مصدرية وهي مع صلتها ظرف أي كونوا أنصار الله وقت قولي لكم ككون الحواريين أنصاره وقت قول عيسى، ثم قيل: كونوا أنصاره كوقت قول عيسى هذه المقالة، وجيء بحديث سؤاله عن الناصر وجوابهم فهو نظير كاليوم في قولهم: كاليوم رجل أي كرجل رأيته اليوم فحذف الموصوف مع صفته، واكتفى بالظرف عنهما لدلالته على الفعل الدال على موصوفه، وهذا من توسعاتهم في الظروف، وقد جعلت الآية من الاحتباك، والأصل كونوا أنصار الله حين قال لكم النبي صلى الله عليه وسلم: {من أنصاري الله} كما كان الحواريون أنصار الله حين قال لهم عيسى عليه السلام {من أنصاري إلى الله} فحذف من كل منهما ما دل عليه المذكور في الآخر، وهو لا يخلو عن حسن، و{الحواريون} أصفياؤه عليه السلام، والعدول عن ضميرهم إلى الظاهر للاعتناء بشأنهم، وهم أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلًا فرقهم على ما في البحر عيسى عليه السلام في البلاد، فمنهم من أرسله إلى رومية، ومنهم من أرسله إلى بابل، ومنهم من أرسله إلى أفريقية، ومنهم من أرسله إلى أفسس، ومنهم من أرسله إلى بيت المقدس، ومنهم من أرسله إلى الحجاز، ومنهم من أرسله إلى أرض البربر وما حولها وتعيين المرسل إلى كل فيه، ولست على ثقة من صحة ذلك ولا من ضبط أسمائهم، وقد ذكرها السيوطي أيضًا في الاتقان فليلتمس ضبط ذلك من مظانه، واشتقاق الحواريين من الحور وهو البياض وسموا بذلك لأنهم كانوا قصارين، وقيل: للبسهم البياض، وقيل: لنقاء ظاهرهم وباطنهم، وزعم بعضهم أن ما قيل: من أنهم كانوا قصارين إشارة إلى أنهم كانوا يطهرون نفوس الناس بإفادتهم الدين والعلم، وما قيل: من أنهم كانوا صيادين إشارة إلى أنهم كانوا يصطادون نفوس الناس من الحيرة ويقودونهم إلى الحق.
وقيل: الحواريون المجاهدون، وفي الحديث: «لكل نبي حواري وحواريي الزبير» وفسر بالخاصة من الأصحاب. والناصر، وقال الأزهري: الذي أخلص ونقى من كل عيب، وعن قتادة إطلاق الحواري على غيره رضي الله تعالى عنه أيضًا، فقد قال: إن الحواريين كلهم من قريش أبو بكر. وعمر. وعلي. وحمزة. وجعفر. وأبو عبيدة بن الجراح. وعثمان بن مظعون. وعبد الرحمن بن عوف. وسعد بن أبي وقاص. وعثمان بن عفان. وطلحة بن عبيد الله. والزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
{فَئَامَنَتْ طَائفَةٌ مِّنْ بَني إسْرَاءيلَ} أي بعيسى عليه السلام {وَكَفَرَتْ طَائفَةٌ} أخرى.
{فَأيَّدْنَا الذين ءَامَنُوا عَلَى عَدُوِّهمْ} وهم الذين كفروا {فأَصْبَحُوا ظاهرين} فصاروا غالبين؛ قال زيد بن علي. وقتادة: بالحجة والبرهان، وقيل: إن عيسى عليه السلام حين رفع إلى السماء قالت طائفة من قومه: إنه الله سبحانه، وقالت أخرى: إنه ابن الله تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا رفعه الله عز وجل إليه، وقالت طائفة: إنه عبد الله ورسوله فاقتتلوا فظهرت الفرقتان الكافرتان على الفرقة المؤمنة حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم فظهرت المؤمنة على الكافرتين، وروى ذلك عن ابن عباس، وقيل: اقتتل المؤمنون والكفرة بعد رفعه عليه السلام فظهر المؤمنون على الكفرة بالسيف، والمشهور أن القتال ليس من شريعته عليه السلام، وقيل: المراد {فآمنت طائفة من بني إسرائيل} حمد عليه الصلاة والسلام وكفرت أخرى صلى الله عليه وسلم فأيدنا المؤمنين على الكفرة فصاروا غالبين. وهو خلاف الظاهر. والله تعالى أعلم.

.سورة الجمعة:

مدنية كما روي عن ابن عباس وابن الزبير والحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة وإليه ذهب الجمهور.
وقال ابن يسار: هي مكية وحكي ذلك عن ابن عباس ومجاهد والأول هو الصحيح لما في صحيح البخاري وغيره عن أبي هريرة قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله تعالى عليه وسلم حين أنزلت سورة الجمعة الحديث وسيأتي قريبا إن شاء الله تعالى وإسلامه رضي الله تعالى عنه بعد الهجرة بمدة بالاتفاق ولأن أمر الانفضاض الذي تضمنه آخر السورة وكذا أمر اليهود المشار إليه بقوله سبحانه: {قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم} إلخ لم يكن إلا بالمدينة.
وآيها إحدى عشرة آية بلا خلاف.
ووجه اتصالها بما قبلها أنه تعالى لما ذكر فيما قبل حال موسى عليه السلام مع قومه وأذاهم له ناعيا عليهم ذلك ذكر في هذه السورة حال الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وفضل أمته تشريفا لهم لينظر فضل ما بين الأمتين ولذا تعرض فيها لذكر اليهود وأيضا لما حكى هناك قول عيسى عليه السلام ومبشرا برسول من بعدي اسمه أحمد قال سبحانه هنا: {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم} إشارة إلى أنه الذي بشر به عيسى وأيضا لما ختم تلك السورة بالأمر بالجهاد وسماه تجارة ختم هذه بالأمر بالجمعة وأخبر أن ذلك خير من التجارة الدنيوية وأيضا في كلتا السورتين إشارة إلى اصطفاف في عبادة أما الأولى فظاهر وأما في هذه فلأن فيها الأمر بالجمعة وهي يشترط فيها الجماعة التي تستلزم الاصطفاف إلى غير ذلك وقد كان صلى الله تعالى عليه وسلم.
كما أخرج مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن ابن عباس يقرأ في الجمعة بسورتها و{إذا جاءك المنافقون}.
وأخرج ابن حبان والبيهقي في سننه عن جابر بن سمرة أنه قال: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة {قل يا أيها الكافرون} و{قل هو الله أحد} وكان يقرأ في صلاة العشاء الأخيرة ليلة الجمعة سورة الجمعة والمنافقون وفي ذلك دلالة على مزيد شرف هذه السورة.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (1):

{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)}
بسْم الله الرحمن الرَّحيم {يُسَبّحُ لِلَّهِ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض} تسبيحًا متجددًا على سبيل الاستمرار {الملك القدوس العزيز الحكيم} صفات للاسم الجليل، وقد تقدم معناها، وقرأ أبو وائل، ومسلمة بن محارب، ورؤبة، وأبو الدينار، والأعرابي برفعها على المدح، وحسن ذلك الفصل الذي فيه نوع طول بين الصفة والموصوف، وجاء كذلك عن يعقوب، وقرأ أبو الدينار، وزيد بن علي {القدوس} بفتح القاف.

.تفسير الآية رقم (2):

{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)}
{هُوَ الذي بَعَثَ فِي الاميين} يعني سبحانه العرب لأن أكثرهم لا يكتبون ولا يقرأون.
وقد أخرج البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب» وأريد بذلك أنهم على أصل ولادة أمهم لم يتعلموا الكتابة والحساب فهم على جبلتهم الأولى، فالأمي نسبة إلى الأم التي ولدته، وقيل: نسبة إلى أمة العرب، وقيل: إلى أم القرى، والأولى أشهر، واقتصر بعضهم في تفسيره على أنه الذي لا يكتب، والكتابة على ما قيل: بدئت بالطائف أخذوها من أهل الحيرة وهم من أهل الأنبار، وقرئ الأمين بحذف ياء النسب {رَسُولًا مّنْهُمْ} أي كائنًا من جملتهم، فمن تبعيضية، والبعضية: إما باعتبار الجنس فلا تدل على أنه عليه الصلاة والسلام أمي، أو باعتبار الخاصة المشتركة في الأكثر فتدل، واختار هذا جمع، فالمعنى رسولًا من جملتهم أميًا مثلهم {يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءاياته} مع كونه أميًا مثلهم لم يعهد منه قراءة ولا تعلم {وَيُزَكّيهِمْ} عطف على {يَتْلُو} فهو صفة أيضًا لرسولًا أي يحملهم على ما يصيرون به أزكياء طاهرين من خبائث العقائد والأعمال.
{وَيُعَلّمُهُمُ الكتاب والحكمة} صفة أيضًا لرسولًا مترتبة في الوجود على التلاوة. وإنما وسط بينهم التزكية التي هي عبارة عن تكميل النفس بحسب قوتها العملية وتهذيبها المتفرع على تكميلها بحسب القوة النظرية الحاصل بالتعليم المترتب على التلاوة للإيذان بأن كلًا من الأمور المترتبة نعمة جليلة على حيالها مستوجبة للشكر، ولو روعي ترتيب الوجود لرا يتبادل إلى الفهم كون الكل نعمة واحدة كما في سورة البقرة، وهو السر في التعبير عن القرآن تارة بالآيات؛ وأخرى بالكتاب والحكمة رمزًا إلى أنه باعتبار كل عنوان نعمة على حدة. ولا يقدح فيه شمول الحكمة لما في تضاعيف الأحاديث النبوية من الأحكام والشرائع قاله بعض الأجلة، وجوز كون {الكتاب والحكمة} كناية عن جميع النقليات والعقليات كالسماوات والأرض بجميع الموجودات. والأنصار والمهاجرين بجميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم. وفيه من الدلالة على مزيد علمه صلى الله عليه وسلم ما فيه؛ ولو لم يكن له عليه الصلاة والسلام سوى ذلك معجزة لكفاه كما أشار إليه البوصيري بقوله:
كفاك بالعلم في الأمي معجزة ** في الجاهلية والتأديب في اليتم

{وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضلال مُّبِينٍ} من الشرك وخبث الجاهلية، وهو بيان لشدة افتقارهم إلى من يرشدهم وإن كان نسبة الضلال إليهم باعتبار الأكثر إذ منهم مهتد كورقة وأضرابه، وفي الكلام إزاحة لما عسى أن يتوهم من تعلمه عليه الصلاة والسلام من الغير {وَأَنْ} هي المخففة واللام هي الفارقة.

.تفسير الآية رقم (3):

{وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)}
{وَءاخَرِينَ} جمع آخر عنى الغير، وهو عطف على {الاميين} [الجمعة: 2] أي وفي آخرين {مِنْهُمْ} أي من الأميين، ومن للتبيين {لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ وَهُوَ العزيز الحكيم} أي لم يلحقوا بهم بعد وسيلحقون، وهو الذين جاءوا بعد الصحابة إلى يوم الدين؛ وجوز أن يكون عطفًا على المنصوب في {وَيُعَلّمُهُمُ} [الجمعة: 2] أي ويعلمهم ويعلم آخرين فإن التعليم إذا تناسق إلى آخر الزمان كان كله مستندًا إلى أوله فكأنه عليه الصلاة والسلام هو الذي تولى كل ما وجد منه واستظهر الأول، والمذكور في الآية قوله صلى الله عليه وسلم، وجنس الذين بعث فيهم، وأما المبعوث إليهم فلم يتعرض له فيها نفيًا أو إثباتًا، وقد تعرض لإثباته في آياته أخر، وخصوص القوم لا ينافي عموم ذلك فلا إشكال في تخصيص الآخرين بكونهم من الأميين أي العرب في النسب، وقيل: المراد من الأميين في الأمية فيشمل العجم، وبهم فسره مجاهد كما رواه عنه ابن جرير. وغيره وتعقب بأن العجم لم يكونوا أميين.
وقيل: المراد منهم في كونهم منسوبين إلى أمة مطلقًا لا في كونهم لا يقرأون ولا يكتبون، وهو كما ترى إلا أنه لا يشكل عليه وكذا على ما قبله ما أخرجه البخاري. والترمذي. والنسائي. وجماعة عن أبي هريرة قال: «كنا جلوسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم حين أنزلت سورة الجمعة فتلاها فلما بلغ {وَءاخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ} قال له رجل: يا رسول الله من هؤلاء الذين لم يلحقوا بنا؟ فوضع يده على سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه، وقال: والذي نفسي بيده لو كان الايمان بالثريا لناله رجال من هؤلاء» فإنه صلى الله عليه وسلم أشار بذلك إلى أنهم فارس، ومن المعلوم أنهم ليسوا من الأميين المراد بهم العرب في النسب.
وقال بعض أهل العلم: المراد بالأميين مقابل أهل الكتاب لعدم اعتناء أكثرهم بالقراءة والكتابة لعدم كتاب لهم سماوي تدعوهم معرفته إلى ذلك فيشمل الفرس إذ لا كتاب لهم كالعرب، وعلى ذلك يخرج ما أشار إليه الحديث من تفسير الآخرين بالفرس وهو مع ذلك من باب التمثيل، والاقتصار على بعض الأنواع بناءًا على أن بعض الأمم لا كتاب لهم أيضًا، ورا يقال: إن من في {مِنْهُمْ} اسمية عنى بعض مبتدأ كما قيل في قوله تعالى: {وَمِنَ الناس مَن يَقُولُ} [البقرة: 8] وضمير الجمع لآخرين وجملة {لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ} خبر فيشمل آخرين، طوائف الناس الذين يلحقون إلى يوم القيامة من العرب والروم والعجم وغيرهم؛ وبذلك فسره الضحاك. وابن حيان. ومجاهد في رواية، ويكون الحديث من باب الاقتصار والتمثيل كقول ابن عمر: هم أهل اليمن، وابن جبير هم الروم والعجم فتدبر.
وزعم بعضهم أن المراد بقوله تعالى: {لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ} أنهم لم يلحقوا بهم في الفضل لفضل الصحابة على التابعين ومن بعدهم، وفيه أن {لَّمًّا} منفيها مستمر إلى الحال ويتوقع وقوعه بعده فتفيد أن لحوق التابعين ومن بعدهم في الفضل للصحابة متوقع الوقوع مع أنه ليس كذلك، وقد صرحوا أنه لا يبلغ تابعي وإن جل قدرًا في الفضل مرتبة صحابي وإن لم يكن من كبار الصحابة، وقد سئل عبد الله بن المبارك عن معاوية. وعمر بن عبد العزيز أيهما أفضل؟ فقال: الغبار الذي دخل أنف فرس معاوية أفضل عند الله من مائة عمر بن عبد العزيز فقد صلى معاوية خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ {اهدنا الصراط المستقيم} [الفاتحة: 6] إلخ فقال معاوية: آمين، واستدل على عدم اللحوق بما صح من قوله عليه الصلاة والسلام فيهم: «لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه» على القول بأن الخطاب لسائر الأمة، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «أمتي كالمطر لا يدري أوله خير أم آخر» فمبالغة في خيريتهم كقول القائل في ثوب حسن البطانة: لا يدري ظهارته خير أم بطانته.